كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فلما أسلما} أي: انقادا وخضعا لأمر الله، وقال قتادة: أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه {وتله للجبين} أي: صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة، والجبهة بين الجبينين وشذ جمعه على أجبن، وقياسه في القلة أجبنة كأرغفة وفي الكثرة جبن وجبنان كرغيف ورغف ورغفان، وقيل: إنه لما أراد ذبحه قال: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب فينقص أجري، واكفف عني ثيابي حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء وتراه أمي فتحزن حزنًا طويلًا، واشحذ شفرتك وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني فقال له إبراهيم: نعم العون أنت يا بني على أمر الله تعالى ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه، ثم أقبل عليه يقبله وقد ربطه وهو يبكي والابن يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تجل شيئًا ثم أنه شحذها مرتين أو ثلاثًا بالحجر كل ذلك لا يستطيع أن يقطع شيئًا، قال السدي: ضرب الله تعالى صفيحة من نحاس على حلقه قال: فقال الإبن عند ذلك يا أبت كبني على وجهي لجبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رحمة تحول بينك وبين أمر الله وأنا لا أنظر الشفرة فأجزع، ففعل ذلك إبراهيم ووضع السكين على قفاه فانقلبت السكين.
{وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} أي: بالعزم والإتيان بالمقدمات ما أمكنك.
تنبيه:
في جواب لما ثلاثة أوجه أظهرها: أنه محذوف، أي: نادته الملائكة عليهم السلام أو ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما، وقدره بعضهم بعد الرؤيا كان ما كان مما ينطق به الحال والوصف مما لا يدرك كنهه.
ونقل ابن عطية أن التقدير: فلما أسلما سلما وتله للجبين ويعزى هذا لسيبويه وشيخه الخليل.
الثاني: أنه وتله للجبين والواو زائدة، وهو قول الكوفيين والأخفش، الثالث: أنه وناديناه والواو زائدة أيضًا واقتصر على هذا الجلال المحلي، وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار: أن إبراهيم عليه السلام لما رأى ذبح ولده قال الشيطان: لئن لم أفتن آل إبراهيم عند هذا لم أفتن أحدًا منهم أبدًا فتمثل الشيطان في صورة رجل وأتى أم الغلام وقال: هل تدرين أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: ذهب به يحتطبان من هذا الشعب قال: والله ما ذهب به إلا ليذبحه، قالت: كلا هو أرحم به وأشد حبًا له من ذلك، قال: إنه يزعم أن الله أمره بذلك، قالت: فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن إن يطيع ربه، فخرج من عندها الشيطان، ثم أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه فقال له: يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: نحتطب لأهلنا من هذا الشعب قال: والله ما يريد إلا أن يذبحك، قال: ولم؟ قال: زعم أن ربه أمره، قال: فليفعل ما أمره به ربه فسمع وطاعة، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم فقال له: أين تريد أيها الشيخ؟ قال: أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه، قال: والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ولدك هذا، فعرفه إبراهيم فقال: إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئًا كما أراد الله عز وجل.
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنه: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ثم ذهب إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم لأمر الله تعالى فنودي من الجبل أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
فإن قيل: لم قال تعالى: {قد صدقت الرؤيا} وكان قد رأى الذبح ولم يذبح؟
أجيب: بأنه جعله مصدقًا لأنه قد أتى بما أمكنه والمطلوب استسلامهما لأمر الله تعالى وقد فعل، وقيل: كان قد رأى في النوم معالجة الذبح ولم ير إراقة الدم وقد فعل في اليقظة ما رآه في النوم، ولذلك قال: {قد صدقت الرؤيا} قال المحققون: السبب في هذا التكليف كمال طاعة إبراهيم لتكاليف الله تعالى فلما كلفه الله تعالى بهذه التكاليف الشاقة الشديدة وظهر منه كمال الطاعة والانقياد لا جرم قال الله تعالى: {قد صدقت الرؤيا} وقوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} ابتداء إخبار من الله تعالى، والمعنى: إنا كما عفونا عن ذبح ولدك كذلك نجزي من أحسن في طاعتنا، قال مقاتل: جزاء الله تعالى بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه.
{إن هذا} أي: الذبح المأمور به {لهو البلاء المبين} أي: الاختبار الظاهر الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم، والمحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها وقال مقاتل: البلاء هاهنا النعمة وهو أن فدى ابنه بالكبش كما قال تعالى: {وفديناه} أي: المأمور بذبحه وهو إسماعيل وهو الأظهر، وقيل: إسحاق {بذبح عظيم} أي: عظيم الجثة سمين أو عظيم القدر؛ لأن الله تعالى فدى به نبيًا ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، وهو كبش أتى به جبريل عليه السلام من الجنة وهو الذي قربه هابيل، فقال لإبراهيم: هذا فدا ولدك فاذبحه دونه، فكبر إبراهيم وكبر ولده، وكبر جبريل وكبر الكبش وأخذ إبراهيم الكبش، وأتى به المنحر من منى فذبحه، قال البغوي: قال أكثر المفسرين: كان ذلك الذبح كبشًا رعى في الجنة أربعين خريفًا، وقيل: كان وعلًا أهبط عليه من ثبير، وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة.
تنبيه:
الذبح مصدر ويطلق على ما يذبح وهو المراد في هذه الآية.
{وتركنا عليه في الآخرين} ثناء حسنًا، وقوله تعالى: {سلام} أي: منا {على إبراهيم} سبق بيانه في قصة نوح عليهما السلام.
{كذلك} أي: كما جزيناك {نجزي المحسنين} لأنفسهم، وقوله تعالى: {إنه من عبادنا المؤمنين} تعليل لإحسانه بالإيمان إظهارًا لجلالة قدره وأصالة أمره وقوله تعالى: {وبشرناه بإسحق} فيه دليل على أن الذبيح غيره، وقد مرت الإشارة إلى ذلك، وقوله تعالى: {نبيًا} حال مقدرة أي: يوجد مقدرًا نبوته، وقوله تعالى: {من الصالحين} يجوز أن يكون صفة لنبيًا وأن يكون حالًا من الضمير في نبيًا فتكون حالًا متداخلة، ويجوز أن تكون حالًا ثانية ومن فسر الذبيح بإسحق عليه السلام جعل المقصود من البشارة نبوته، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل.
{وباركنا عليه} أي: على إبراهيم عليه السلام بتكثير ذريته {وعلى إسحق} بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب عليهم السلام فجميع الأنبياء بعده من صلبه إلا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم فإنه من ذرية إسماعيل عليه السلام وفيه إشارة إلى أنه مفرد علم فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
{ومن ذريتهما محسن} أي: مؤمن طائع {وظالم} أي: كافر وفاسق {لنفسه مبين} أي: ظاهر ظلمه، وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابهما لا يعود عليهما بنقيصة وعيب ولا غير ذلك والله أعلم.
القصة الثالثة: قصة موسى وهارون عليهما السلام المذكورة في قوله تعالى: {ولقد مننا على موسى وهارون} أي: أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية.
{ونجيناهما وقومهما} أي: بني إسرائيل {من الكرب} أي: الغم {العظيم} أي: الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم، وقيل: من الغرق، والضمير في قوله تعالى: {ونصرناهم} يعود على موسى وهارون وقومهما، وقيل: على الإثنين بلفظ الجمع تعظيمًا كقوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}.
وقول الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم

{فكانوا هم الغالبين} أي: على فرعون وقومه في كل الأحوال، أما في أول الأمر فبظهور الحجة، وأما في آخر الأمر فبالدولة والرفعة.
تنبيه:
يجوز في هم أن يكون تأكيدًا، وأن يكون بدلًا، وأن يكون فصلًا وهو الأظهر.
{وآتيناهما الكتاب المستبين} أي: المستنير البليغ البيان المشتمل على جميع العلوم المحتاج إليها في مصالح الدين والدنيا وهو التوراة كما قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور}.
{وهديناهما الصراط المستقيم} أي: دللناهما على الطريق الموصل إلى الحق والصواب عقلًا وسمعًا.
{وتركنا} أي: أبقينا {عليهما} ثناء حسنًا {في الآخرين} {سلام} أي: منا {على موسى وهارون} {إنا كذلك} أي: كما جزيناهما {نجزي المحسنين} وقوله تعالى: {إنهما من عبادنا المؤمنين} تعليل لإحسانهما بالإيمان وإظهار لجلالة قدره وأصالة أمره.
القصة الرابعة قصة إلياس عليه السلام المذكورة في قوله تعالى: {وإن إلياس لمن المرسلين} روي عن ابن مسعود أنه قال: إلياس هو إدريس، وهو قول عكرمة وقال أكثر المفسرين: إنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، قال ابن عباس: وهو ابن عم اليسع عليهما السلام، وقال محمد بن إسحاق: هو إلياس بن بشير بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران عليهما السلام.
تنبيه:
أذكر فيه شيئًا من قصته عليه السلام قال علماء السير والأخبار: لما قبض الله تعالى حزقيل النبي عليه السلام عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك ونصبوا الأصنام وعبدوها من دون الله عز وجل، فبعث الله تعالى إليهم إلياس نبيًا وكانت الأنبياء من بني إسرائيل يبعثون بعد موسى عليه السلام بتجديد ما نسوا من أحكام التوراة، وبنو إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام وكان سبب ذلك أن يوشع بن نون عليه السلام لما فتح الشام قسمها على بني إسرائيل وأحل سبطًا منها ببعلبك ونواحيها وهم السبط الذين كان منهم إلياس، فبعثه الله تعالى إليهم نبيًا وعليهم يومئذ ملك اسمه لاجب وكان أضل قومه وجبرهم على عبادة الأصنام، وكان لهم صنم طوله عشرون ذراعًا وله أربعة وجوه وكان يسمى: ببعل وكانوا قد فتنوا به وعظموه وجعلوا له أربعمائة سادن أي: خادم، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها عنه ويبلغونها الناس وهم أهل بعلبك، وكان إلياس يدعوهم إلى عبادة الله وهم لا يسمعون له ولا يؤمنون به إلا ما كان من أمر الملك فإنه آمن به وصدقه، فكان إلياس يقوم بأمره ويسدده ويرشده وكان للملك امرأة تسمى: بإزميل جبارة وكان يستخلفها على ملكه إذا غاب عنهم في غزاة أو غيرها، وكانت تبرز للناس فتقضي بينهم وكانت قتالة للأنبياء، ويقال: إنها هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام، وكان له كاتب رجل مؤمن حليم يكتم إيمانه وكان قد خلص من يدها ثلثمائة نبي كانت تريد قتلهم إذا بعث كل واحد منهم سوى الذين قتلتهم وكانت في نفسها غير محصنة، وكانت قد تزوجت سبعة من ملوك بني إسرائيل وقتلتهم كلهم بالاغتيال وكانت معمرة يقال: إنها ولدت سبعين ولدًا، وكان لاجب هذا جار رجل صالح يقال له: مزدكي، وكان له جنينة يعيش منها وكانت الجنينة إلى جانب قصر الملك وامرأته، وكانا يشرفان عليها يتنزهان فيها ويأكلان ويشربان ويقيلان فيها، وكان الملك يحسن جوار صاحبها مزدكي ويحسن إليه، وامرأته إزميل تحسده لأجل تلك الجنينة وتحتال أن تغصبها منه لما تسمع الناس يكثرون ذكرها ويتعجبون من حسنها وتحتال أن تقتله، والملك ينهاها عن ذلك فلا تجد عليه سبيلًا، ثم أنه اتفق خروج الملك إلى مكان بعيد وطالت غيبته فاغتنمت امرأته إزميل ذلك فجمعت جمعًا من الناس وأمرتهم أنهم يشهدون على مزدكي أنه سب زوجها لاجب فأجابوها إليه وكان في حكمهم في ذلك الزمان القتل على من سب الملك إذا قامت عليه البينة، فأحضرت مزدكي وقالت له: بلغني أنك شتمت الملك فأنكر فأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور فأمرت بقتله وأخذت جنينته، فلما قدم الملك من سفره أخبرته الخبر فقال لها: ما أصبت ولا أبدًا نفلح بعده فقد جاورنا منذ زمان فأحسنا جواره وكففنا عنه الأذى لوجوب حقه علينا فختمت أمره بأسوء الجوار قالت: إنما غضبت لك وحكمت بحكمك فقال لها: أوما كان يسعه حلمك فتحفظين جواره؟ قالت: قد كان ما كان فبعث الله إلياس إلى لاجب الملك، وأمره الله أن يخبرهم أن الله تعالى قد غضب عليهم لوليه حين قتلوه ظلمًا وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ويردا الجنينة على ورثة مزدكي أن يهلكهما، يعني: لاجب وامرأته في جوف الجنينة، ثم يضعهما جثتين ملقيين فيها حتى تتفرق عظامهما من لحومهما ولا يتمتعان بها إلا قليلًا، فجاء إلياس فأخبر الملك بما أوحى الله في أمره وأمر امرأته والجنينة، فلما سمع الملك ذلك اشتد غضبه عليه، وقال: يا إلياس والله ما أرى ما تدعونا إليه إلا باطلًا، وهم بتعذيبه وقتله، فلما أحس إلياس بالشر رفضه وخرج عنه هاربًا، ورجع الملك إلى عبادة بعل وارتقى إلياس إلى أصعب جبل وأشمخه فدخل مغارة فيه، ويقال: أنه بقي سبع سنين شريدًا خائفًا يأوي الشعوب والكهوف، يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه قد وضعوا العيون عليه والله تعالى يستره منهم.
فلما طال الأمر على إلياس وطال عصيان قومه وضاق بذلك ذرعًا أوحى الله تعالى إليه بعد سبع سنين: يا إلياس ما هذا الخوف الذي أنت فيه ألست أميني على وحيي وحجتي في أرضي وصفوتي من خلقي؟ فسلني أعطك فإني ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم، قال: تميتني فتلحقني بآبائي فإني قد مللت بني إسرائيل وملوني، فأوحى الله تعالى إليه: يا إلياس ما هذا اليوم الذي أعرى منك الأرض وأهلها؟ وإنما قوامهما وصلاحهما بك وأشباهك وإن كنتم قليلًا ولكن سلني فأعطك، قال إلياس: إن لم تمتني فاعطني ثأري من بني إسرائيل، قال الله تعالى: وأي: شيء تريد أن أعطيك؟ قال: تمكنني من خزائن السماء سبع سنين فلا تنشئ سحابة عليهم إلا بدعوتي ولا تمطر عليهم سبع سنين قطرة إلا بشفاعتي فإنهم لا يذكرهم إلا ذلك، قال الله تعالى: يا إلياس أنا أرحم بخلقي من ذلك وإن كانوا ظالمين، قال: ست سنين، قال: أنا أرحم بخلقي من ذلك، قال: فخمس سنين، قال: أنا أرحم بخلقي من ذلك، ولكن أعطيك ثأرك ثلاث سنين أجعل خزائن المطر بيدك، قال: فبأي شيء أعيش؟ قال: أسخر لك جنسًا من الطير ينقل إليك طعامك وشرابك من الريف ومن الأرض التي لم تقحط، قال إلياس: قد رضيت، فأمسك الله تعالى عنهم المطر حتى هلكت الماشية والهوام والشجر وجهد الناس جهدًا عظيمًا، وإلياس على حالته مستخف من قومه يوضع له الرزق حيثما كان وقد عرف ذلك قومه.
قال ابن عباس: أصاب بني إسرائيل ثلاث سنين القحط فمر إلياس بعجوز فقال لها: هل عندكم طعام؟ قالت: نعم شيء من دقيق وزيت قليل فدعا بهما ودعا فيه بالبركة حتى ملأ خوابيها دقيقًا وخوابيها زيتًا، فلما رأوا ذلك عندها، قالوا لها: من أين لك هذا؟ قالت: مر بي رجل من حاله كذا وكذا ثم وصفته بصفته فعرفوه وقالوا: ذلك إلياس، فطلبوه فوجدوه فهرب منهم ثم أنه أوى إلى بيت امرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له: اليسع بن أخطوب به مرض فآوته وأخفت أمره فدعا له فعوفي من الضر الذي كان به، واتبع إلياس وآمن به وصدقه ولزمه وكان يذهب حيثما ذهب، وكان إلياس قد كبر سنه واليسع غلام شاب ثم إن الله تعالى أوحى إلى إلياس أنك قد أهلكت كثيرًا من الخلق ممن لم يعص من البهائم والطير والهوام بحبس المطر، فقال إلياس: يا رب دعني أنا الذي أكون أدعو لهم وآتيهم بالفرج مما هم فيه من البلاء لعلهم أن يرجعوا عما هم عليه من عبادة غيرك، فقيل له: نعم، فجاء إلياس إلى بني إسرائيل فقال: إنكم قد هلكتم جوعًا وجهدًا وقد هلكت البهائم والهوام والشجر بخطاياكم وإنكم على باطل، فإن كنتم تحبون أن تعلموا ذلك فاخرجوا بأصنامكم فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوتم الله سبحانه وتعالى، ففرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء قالوا: أنصفت فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء ثم قالوا لإلياس: إنا قد هلكنا فادع الله لنا فدعا لهم إلياس ومعه اليسع بالفرج، فخرجت سحابة مثل الترس على ظهر البحر وهم ينظرون فأقبلت نحوهم وطبقت الآفاق ثم أرسل الله تعالى عليهم المطر فأغاثهم وحييت بلادهم.